مستقبلات إسرائيل على ضوء الحرب الراهنة

مقالات 12:15 28.03.2024

ما زلنا، وإبادة الفلسطينيين مستمرة، نتناقش حول مستقبل العالم على ضوء هذه الإبادة. لهذا النقاش المستعر عنوان رسمى وهو «اليوم التالى لحرب غزة»، ابتكره الفريق الحاكم فى البيت الأبيض فى سعيه لصنع وضع مختلف فى فلسطين العربية، أى فى غزة والضفة الغربية. أتصور أن لديهم مشروع خطة وأفكارا كثير منها مشوش أو رغائبى أو مبنى على مسلمات بعينها من واقع مصالحهم وطموحاتهم.

      من المسلمات مثلا أن النكبة الأولى فى فلسطين أثمرت دولة إسرائيلية ووعدا غير قابل للتنفيذ بإقامة دولة فلسطينية، وأنها، وأقصد النكبة، نشأت وترعرعت فى أحضان تفاهم غربى سوفيتى ونفاق متشعب داخل القوى السياسية الفاعلة فى دول أوروبا الخارجة لتوها مع أمريكا من حرب عالمية، وأنها، وما زلت أقصد النكبة الأولى، وإن حققت بعض أهدافها الإسرائيلية، فقد تسببت فى تغيرات بعضها حاد فى عدد من الأقطار العربية وحفزت المقاومة ضد الاستعمار الغربى حتى تحقق للمقاومة النصر. من المسلمات أيضا، أن فضلا كبيرا يعود إلى المحرقة التى استخدمها الغرب وإسرائيل كدرع يحمى الدولة الإسرائيلية الناشئة من غائلة التقلبات فى العلاقات الدولية ومن غضب العرب حين وجد.

      أبدأ بالمحرقة باعتبار أنها، وهى المبرر الأحدث لاستمرار الوجود الصهيونى على أرض فلسطين، صارت ضحية من ضحايا التوحش الإسرائيلى فى الحرب ضد سكان غزة. لا غرابة فى التصريح بأن رد الفعل الإسرائيلى لطوفان الأقصى ربما «حرق المحرقة» أو أنه دنس، بين ما دنس، قدسيتها ومس بالضرر البالغ الهالة التى أحاطت بها. لا غرابة، ولكن أيضا لا مبالغة فى القول بأن المحرقة كرمز محصن فى دول عديدة بقوانين وتشريعات مختلفة ضد النقد والاعتراض والاحتجاج راح يفقد الكثير من هذه الحصانة. أغفل المسئولون الإسرائيليون والأمريكيون وبعض الأوروبيين حقيقة أن توحش جنود بنى إسرائيل ضد شعب غزة وبخاصة أطفالها سوف يطفئ وهج المحرقة النازية، وبالتالى يضعف من شرعية دولة إسرائيل. لا جدال فى أن جيش إسرائيل تجاوز بأفعاله فى غزة ما فعله النازيون باليهود، هذا على الأقل صار جزءا مما يردده ملايين المشاهدين أمام شاشات التلفزيون وأجهزة المحمول.

      لا أظن أننى على امتداد حياتى رأيت مسئولا سياسيا منكسرا بالحرج وخيبة الأمل كما رأيت بالأمس المسئول الأول فى ألمانيا يبرر مواقف حكومتها وبخاصة مواقف وزير خارجيتها من حرب غزة ثم التراجع عن هذه المواقف. أسمع أن ألمانيا حالة خاصة بسبب ما يسمى عقدة الذنب. أتجاسر مرة أخرى لأتوقع تطورات فى ألمانيا تثبت أن هذه العقدة الشريرة جارٍ حلها، ولأتوقع أن تتخلى الأجيال الجديدة فى ألمانيا عن احترام ما رتبته هذه العقدة من التزامات.

      رحنا أيضا نراقب باهتمام مواقف وسياسات رسمية أوروبية تعكس حال ارتباك. تحدثت مع مصدر قريب من مركز صنع القرار فى الاتحاد الأوروبى. حاولت أن أتعرف على العوامل التى دفعت حكومات أوروبا إلى تغيير موقفها من حرب غزة.. فهمت أن العوامل أربعة وهى أولا، ضغط الرأى العام فى داخل كل دولة. وثانيا، الضعف الظاهر فى أداء واشنطن إزاء تطورات الأزمة فى غزة. وثالثا، انحدار مكانة ألمانيا فى القارة الأوروبية. ورابعا: فشل فرنسا فى الحلول محل ألمانيا بل وانكشاف تصاعد جديد فى عنصرية قطاعات بعينها فى نخبتها السياسية.

      لم يعد خافيا الضغط الذى تمارسه الولايات المتحدة ودول أوروبية على الدول العربية للقبول بصيغة مناسبة لمستقبل الحكم فى غزة وخلق نواة لشرق أوسط جديد. مرة أخرى يتداول الطرفان الأمريكى والإسرائيلى حول بدائل تضمن لإسرائيل الهيمنة التى تحقق الشروط التالية لأى بديل يتفق عليه. من هذه البدائل أولا: يبقى الأمن فى يد إسرائيل فى شكل احتلال إسرائيلى مباشر يمارس مهام الأمن العسكرى وشئون الإدارة المدنية.

      ثانيا: يبقى الأمن فى يد إسرائيل فى شكل احتلال عسكرى وتسليم الإدارة المدنية إلى حكومة عشائر تخضع لسلطة جيش إسرائيل. ثالثا: فى وجود سلطة الاحتلال وحكومة عشائر يجرى تشجيع السكان الفلسطينيين على الهجرة عن طريق تنفيذ خطة تتضمن تغيير مناهج التعليم والتوسع فى استيراد عمال من دول نامية وتقييد فرص العمل بالنسبة للفلسطينيين. رابعا: الانضمام إلى «جامعة إبراهيمية» تضم الدول العربية الموقعة على اتفاقات صلح أو تعاون أو تبادل بعثات دبلوماسية مع إسرائيل. يعتمد هذا الشرط على تحليل واسع الانتشار فى صفوف نخب أوروبية حاكمة يشير إلى أن السياسة الحذرة التى انتهجتها الدول العربية المتعاقدة مع إسرائيل خلال الحرب الوحشية ضد أهل غزة والحرب المستمرة منذ سنوات ضد أهل الضفة الغربية، هذه السياسة، وسياسات أخرى، جاءت نتيجة الالتزامات التعاقدية والمعنوية التى فرضتها العلاقات الثنائية القائمة مع إسرائيل.

      لا أخفى، ولن أخفى فى أى وقت، تعاطفى مع يهود عرفتهم فى الولايات المتحدة وأقل منهم فى الأرجنتين وأكثر دول أوروبا طلقوا الصهيونية منذ زمن ويهود فى مواقع عديدة اكتشفوا مؤخرا خلال الحرب على غزة أنهم كانوا مخدوعين. ولكن تبقى حقيقة أخشى أنها صارت واقعة وهى أن نسبة كبيرة فى الشارع الإسرائيلى راحت فى السنوات الأخيرة تتطرف فى يمينيتها وعنصريتها إلى حد الهوس، وبعضه شرير ومرعب. أفهم أن تيار التطرف اليمينى جزء من ظاهرة عامة تجتاح ميادين السياسة فى أوروبا ولكن أيضا فى أمريكا، وأن صحوة التطرف الصهيونى يحسبها البعض رد فعل منطقيا للظاهرة، إلا أننى أفهم أيضا أن لهذه الظاهرة من بين اليهود ضحايا فى كل مكان، رأيناهم يتظاهرون معلنين الخوف على مستقبل إسرائيل من تمدد الظاهرة. لا شك أن التطرف فى إسرائيل يهدد الأمل فى أن يكون للعرب، كل العرب دول مستقلة كاملة السيادة. يدفعنا لهذا اليقين اقتناعنا نحن وغيرنا بأنه إذا خرجت إسرائيل من حربها الراهنة منتصرة، وأمريكا تريدها أن تخرج منتصرة، فسوف تطبق على سياستها الإقليمية خيار الهيمنة الذى تجيده أكثر من غيره من تفاصيل تاريخها الحديث، والأحدث كما نرى الآن فى فلسطين المحتلة حيث تمارس كل ما هو قبيح ووحشى فى هذا الخيار، وتجيد أو بالأحرى تعتنق منه وتطبق مبدأ إسرائيل «فوق الكل Über alles»، مبدأ استعارته من مرحلة سوداء فى تاريخ شعبها.

      كثيرون من حولنا يعتقدون أن هناك ما ينبئ بأن المستقبل الوشيك لإسرائيل سوف يحمل لنا وللأمل الفلسطينى سوء المصير ما لم نسرع الخطى نحو تحرير منظومة السياسة الخارجية المصرية من قيود فرضتها ظروف مراحل سابقة، كشرط كاف وضرورى نحو بناء منظومة فعالة للأمن الإقليمى تصد عن الأجيال العربية الجديدة هذا المصير.

      هنا يطول الحديث، ويجب أن يطول.

جميل مطر

كاتب ومحلل سياسي

 

 

سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار