أزمة غزة.. اجتهادات فى فهم ما حدث وسبل تجاوزه

مقالات 11:00 14.03.2024

كعادة فريقنا كلما استعصى الفهم وتعقدت السبل واختلفت الآراء اجتمعنا، وعلى غير عادتنا وقع اجتماعنا هذه المرة على الهواء. حدث خلال الشهور الستة الماضية ما استعصى علينا فهمه، وما اختلفت عليه المواقف وسبل الخروج منه ما استدعى من جانبنا اجتماعًا. أما ما اتفقت عليه الآراء فكان الأمر البديهى، وهو أن نكبة ثانية حدثت وأن دول المنطقة تصرفت بشكل مختلف عن تصرفها خلال النكبة الأولى.

ببساطة أرجع عدد من المشاركين اختلاف تصرف دول جوار فلسطين فى نكبة أولى عن تصرفها فى نكبة ثانية، وبالتحديد إقدامها فى النكبة الأولى على التدخل العسكرى الصريح، وتعمدها عدم التدخل فى الثانية، أرجعها إلى الآتى:

أولًا: خشية عامة فى عواصم الجوار من أن تأتى النكبة الثانية بمواصفات النكبة الأولى. نعرف الآن أن بعض المواصفات، وبخاصة فى الحرب كما فى النتائج المباشرة وغير المباشرة، كان كارثيًا، وإن كنا فى الوقت نفسه نعرف أن مواصفات أخرى اختلف حول حدود كارثيتها المؤرخون ومحررو الكتب المدرسية فى شتى أنحاء العالم العربى.

ثانيًا: شكوك فى القدرة الذاتية لكل دولة على حدة بالنسبة للقوة الإسرائيلية المعززة بالقدرات الأمريكية والبريطانية أو الغربية عموما، وشكوك أقوى فى القدرة العربية على التصدى لجيوش الغرب بالإضافة إلى شكوك فى مدى تناسب الإرادتين الروسية والصينية مع اللحظة الراهنة فى تطور النظام الدولى، وشكوك أكثر فى نوايا وقدرات الجانب الفلسطينى فى هذا الصراع الوجودى. كلها وغيرها عوامل ساهمت فى صنع موقف دول الجوار العربى القريب والبعيد، على حد سواء.

ثالثًا: الموقف من العامل الإيرانى. لعبت إيران دورًا مزدوجًا فى مراحل صنع وتطور النكبة الثانية. إذ بينما نجحت فى تعزيز قوة جناح أو أكثر داخل الساحة الفلسطينية للعمل ضد إسرائيل فقد فشلت فى خلق جبهة شرق أوسطية تحمى فلسطين والمقاومة وداعميها من وحشية رد فعل الصهيونية ومن جبروتها. من الصعب أيضا تناسى الترتيب أو التمهيد لوقوع مثل هذا الحدث أو غيره بحملة دبلوماسية عربية وغربية وصهيونية أثمرت تعبئة مناهضة لإيران وأنشطتها فى شتى أنحاء العالم العربى.

انتقلنا لمناقشة بدائل المستقبل، بدائل تقلل من فرص العودة الدورية إلى نكبة بعد أخرى. لاحظت من موقعى فى الاجتماع أن لا أحد من الحاضرين عرض بديلًا يكفل للفلسطينيين مستقبلًا آمنًا ومستقرًا لعقود عديدة قادمة. معذورون ولا شك، فالانطلاق من وضع دولى غير مستقر ولا ثابت المعالم ووضع إقليمى لا يبعث على التفاؤل، كفيل بأن يستبعد من النقاش الجاد أية بدائل واقعية تثير الاطمئنان أو تردع النكبات. مع ذلك ناقش المشاركون بدائل أقل طموحًا يمكن أن توفر فرصًا إيجابية وإن محدودة. ناقشوا:

أولًا: يمكن لمشروع دولى، على نهج مشروع مارشال لإعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، أن يخلق فرصا جديدة أمام مختلف دول المشرق. حاول صاحب الفكرة تبرئتها من اتهام بالتشابه مع المشروع الإبراهيمى بأن وضع لفكرته شروطًا. من هذه الشروط أن يكون البديل المقترح نابعًا من إرادة دولية متعددة الأطراف والصين فيها طرف مؤسس ورئيسى. يشترط أيضًا أن تكون إيران عضوًا مستفيدًا كبقية الأعضاء ولا تكون لإسرائيل أية ميزة خاصة. يكون لفلسطين الوضع المميز باعتبارها بؤرة المشروع والمستفيد الأكبر من برامج الإعمار وبناء الدولة. وجهت انتقادات لهذه الفكرة باعتبار أنها رغم مختلف الاحتياطات والشروط تظل أقرب شىء ممكن من مفاهيم الشرق أوسطية كبديل للنظام العربى ومن الفكرة الإبراهيمية التى نشأت محاطة بكثير من الشكوك الدينية والقومية والفلسطينية.

ثانيًا: للترويح عن الحاضرين وإثارة خيالاتهم راح أحدهم يطرح حلم العمل على زرع خلافات أو تعميق المتوافر منها بين الولايات المتحدة ودولة إسرائيل. وفى معرض دفاعه عن موقفه قال إن هذا الفعل جارى العمل به فى العلاقات الدولية، تستهجنه الدول وتمارسه. المهم، حسب رأيه، أن تثق الجماعة العربية بإمكاناتها، وهى ليست قليلة ولا ضعيفة، وأن تتبنى خططًا طويلة الأمد. ولقد أثبتت الأيام أن العلاقات بين هاتين الدولتين يمكن أن تصاب بالضرر. لا يخفى أن «حماس» بصمودها وبتكلفة غالية كادت تفلح فى تحقيق ذلك دون أن تقصد أو تتعمد.

ثالثًا: العودة إلى أفكار التكامل الاقتصادى والأمنى العربى وبالاستفادة من التجارب السابقة مثل أهمية أن يبدأ بسيطًا وينهض متدرجًا ومنفتحًا على العالم الخارجى وبخاصة على مجموعات دول الجنوب. مفيد له أن يستعين بمبادرات صمدت فى وجه طوفان العولمة أو عنفوان المشاعر القطرية أو الخلافات الناشئة عن تناقض المصالح الضيقة للنخب السياسية وزعماء الدول.

هذه المبادرات تعرضت بدورها لانتقادات متنوعة، أهمها بطبيعة الحال فشل نسبى لمختلف تجاربها السابقة على امتداد عمر النظام الإقليمى العربى، وفى الوقت نفسه غياب أية بوادر أمل أو توافر النية فى الإصلاح أو ابتكار أنظمة تكامل جديدة. مع ذلك تخرج الآن من تحت ركام الدمار فى فلسطين وردود فعل الشعوب الأجنبية لأزمة غزة والضفة الغربية وتجربة حرب الإبادة التى مارستها مجموعة فاشية الميول الدينية اليهودية ضد الشعب الفلسطينى، تخرج اجتهادات تمحو منحى بعث نهضة عربية شاملة لردع إسرائيل ووقف تمدد الاستيطان اليهودى لتحقيق حلم إقامة دولة إسرائيل العظمى.

نسبة معتبرة من المشاركين ترى أن العرب ما زالوا بعيدين عن تحقيق مثل هذه المبادرات الحالمة فى نظرهم لأسباب أهمها: 

(1) نفور الطبقات الحاكمة من المؤسسات فكرًا وممارسة. 

(2) التخلى عن التزام العقيدة القومية. 

(3) صعود متوالٍ فى الانقسامات الطائفية. 

(4) اتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية داخل الأمة وداخل أجزائها 

(5) استمرار التوحش الصهيونى. 

(6) عجز الأمة وقياداتها عن توليد زعامات قومية أو إقليمية. 

(7) الميل المتزايد لتسوية أزمات الديون المستحكمة على مستويات ثنائية عوضًا عن الحلول العربية الجماعية أو متعددة الأطراف. 

(8) تطور ملحوظ للأزمات الداخلية فى دول عربية نحو الحرب الأهلية بعد أن جربت حروب الجماعات والمنظمات الإرهابية، وبعضها غير برىء من شبهة الإيعاز أو التمويل الخارجى.

بحكم الظروف اجتمعنا فى سرعة وانفض اجتماعنا بسرعة. خرجنا وقد ازداد أكثرنا اقتناعًا بأن الأزمة بثناياها ومرتفعاتها، أو بأخاديدها وقممها، باقية معنا لزمن قد يطول. إن شئنا تفاؤلًا فلنسع لتحقيق إنجازات محلية، هنا أو هناك تعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا. لن يفيد الهرب أو التأجيل أو التسويف حتى إن هيىء أحدها لنا ولأولادنا من بعدنا. لن يفيد إلا النهوض والرقى وامتلاك نواصى القوة والانتباه إلى حقيقة أفرزتها أزمة غزة، وهى أن كل دول الجوار العربى بالنسبة للعقل اليهودى الفاشى ليست إلا مواقع استيطان أو قواعد نفوذ.

جميل مطر  

كاتب ومحلل سياسي 

خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...

أحدث الأخبار

ماذا ينتظر إيران بعد رئيسي؟
12:12 20.05.2024
السفير التركي بالقاهرة يدعو إلي تنشيط العلاقات الرياضية بين تركيا ومصر
11:30 20.05.2024
أذربيجان تعزي إيران في وفاة الرئيس الإيراني
11:04 20.05.2024
محمد مخبر الرئيس الإيراني بعد وفاة رئيسي
11:00 20.05.2024
تأجيل زيارة ولي العهد السعودي إلى اليابان بسبب حالة الملك سلمان الصحية
10:45 20.05.2024
مانشستر سيتي يتوج بلقب البريمرليغ للعام الرابع على التوالي
10:30 20.05.2024
بعد مقتل رئيسي... انعقاد جلسة طارئة للحكومة الإيرانية
09:54 20.05.2024
الزمالك يهزم نهضة بركان بهدف ويتوج بطلاً للكونفدرالية
09:30 20.05.2024
كيف يتعامل الدستور الإيراني مع حالة غياب رئيس الجمهورية؟
09:15 20.05.2024
وفاة الرئيس الإيراني بحادث تحطم مروحية
09:00 20.05.2024
لافروف يكشف تفاصيل المفاوضات بين بوتين وشي جين بينج
19:00 19.05.2024
حمدوك وعبد الواحد نور يوقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب في السودان
18:00 19.05.2024
حالة رئيس الوزراء السلوفاكي تقترب من التوقعات الإيجابية
17:30 19.05.2024
تواصل أعمال الشغب في كاليدونيا الجديدة
17:00 19.05.2024
انسحاب البعثة العسكرية الأوروبية من مالي
16:00 19.05.2024
النمسا ستستأنف تمويل الأونروا
15:00 19.05.2024
الحزب الشيوعي الفيتنامي يختار تاو لام ليصبح رئيسا جديدا للبلاد
14:00 19.05.2024
الأونروا عدم فتح المعابر ينذر باستمرار الظروف الكارثية في غزة
13:00 19.05.2024
مئات الآلاف أجبروا على الفرار من رفح
12:00 19.05.2024
عشرات القتلى في فيضانات جديدة ضربت أفغانستان
11:00 19.05.2024
4.4 مليار دولار فائض الميزان التجاري لسلطنة عمان بنهاية فبراير
10:00 19.05.2024
إسطنبول تستضيف قمة تركية عربية اقتصادية في يونيو
09:00 19.05.2024
كتائب القسام تعلن قتلها 15 جندياً إسرائيلياً شرق رفح
15:00 18.05.2024
جنوب إفريقيا نرفض الاتهامات الإسرائيلية للمؤسسات الأممية
14:00 18.05.2024
أرمينيا تؤكد التزامها بالسلام الدائم والمستقر في القوقاز
13:00 18.05.2024
تشاد تحديات عديدة أمام ديبي بعد انتخابه رئيسا للبلاد
12:00 18.05.2024
بوتين يسعى إلى تعاون أكبر في مجال الطاقة مع الصين
11:00 18.05.2024
المركزي التركي يتوقع تراجع التضخم وسعر الصرف
10:00 18.05.2024
أردوغان يصدر عفواً صحياً عن جنرالات انقلاب 28 فبراير
09:00 18.05.2024
نضال سليم : سبب مشكلة الجفاف العالمية هي زيادة الطلب علي المياه
17:33 17.05.2024
ماذا يحدث في جنوب القوقاز؟
17:00 17.05.2024
خبير سياسي : الاتحاد الأوروبي يسعي إلي السيطرة علي المنطقة
16:00 17.05.2024
خبير سياسي : "الغرب يستخدم أرمينيا ضد روسيا"
13:00 17.05.2024
رئيس الوزراء السنغالي ينتقد تواجد القواعد العسكرية في بلاده
12:00 17.05.2024
كاليدونيا الجديدة... طوارئ ومطالب بالاستقلال عن فرنسا
11:46 17.05.2024
صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد العراقي 1.4 % في 2024 و5.3 % في 2025
11:30 17.05.2024
روسيا والصين تعملان معاً من أجل خلق نظام عالمي عادل
11:15 17.05.2024
حماس ترحب بإعلان قمة البحرين وتوجه دعوة للدول العربية
11:00 17.05.2024
بطريرك القدس للاتين يزور مدينة غزة
10:45 17.05.2024
الهند المعارضة تتهم مودي بإصدار تصريحات تشهّر بالمسلمين
09:30 17.05.2024
جميع الأخبار